الذكاء الاصطناعي في المجال المالي.. نعمة أم نقمة؟
كشفت دراسة أخيرة أجرتها “إس إيه بي كونكر” عن تنامي مستويات اعتماد الذكاء الاصطناعي في المجال المالي من قبل الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية، إذ امتدح غالبيتهم (82%) الذكاء الاصطناعي بسبب قدرته على تبسيط عمليات الأعمال. بالإضافة إلى ذلك أشار 28% منهم إلى فعالية الذكاء الاصطناعي في توليد بيانات ورؤى مالية نوعية، في حين أشار 24% منهم إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تحسين دقة التوقعات المالية.
وأوضح جواو كارفاليو، المدير التنفيذي لمنطقة جنوب أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لدى “إس إيه بي” أن هذا الحماس حول الذكاء الاصطناعي يشهد بعض التراجع بسبب المخاوف المتعلقة بالتأثير الطويل الأمد للذكاء الاصطناعي على المختصين في الشؤون المالية، إذ يرى ثلثا الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية (68%) أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل تهديداً لمناصبهم، فيما يرى 31% منهم أنه يشكل خطراً على فرق عملهم.
وقال كارفاليو: “يجب أن يتم تغيير هذا المنظور وبسرعة، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي في حال استخدامه بطريقة صحيحة ومسؤولة تأخذ خصوصية البيانات بعين الاعتبار، أن يكون أداة مهمة وحيوية في مواجهة التحديات المالية ويساعد في إحداث تحول في دور قادة الشؤون المالية في المؤسسات، ويمنح تلك المؤسسات ميزات تنافسية”.
وأشار كارفاليو إلى حالة عدم اليقين بأنها أكبر التحديات التي تواجه الرؤساء التنفيذيين في الوقت الحالي، وقال: “تعكس الدراسة هذا الأمر حيث اتفق تسعة من أصل عشرة من قادة الشؤون المالية على أن مهمتهم الأساسية تتمثل في الاستعداد للأمور غير المتوقعة”.
وبالإضافة إلى ذلك، أوضح كارفاليو أن التوقعات لا تزال تشكل عقبة كبيرة بسبب عدم القدرة على التنبؤ بالأسواق، والمخاطر المرتبطة بالتسعير، والبيانات القديمة، وقال في هذا الإطار: “يتجه الرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية نتيجة لذلك إلى التكنولوجيا، فمنهم من يقوم بتعزيز أدوات رصد السوق (57%) والاستثمار في الابتكار (40%)، كما يستخدم أكثر من نصفهم تحليلات البيانات، الأمر الذي يسلط الضوء على الكيفية التي يمكن من خلالها للذكاء الاصطناعي أن يقدم إضافة قوية لهذا المزيج. ويمكن للرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي أن يصبحوا مرشدين فنيين قادرين على التعامل مع تحدي حالة عدم اليقين السائدة وتقديم أفكار ورؤى قيّمة”.
قال كارفاليو: “تقضي الفرق المالية ما بين 40-70% من وقتها في معالجة البيانات، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة في هذا المجال من خلال أتمتة المهام مثل معالجة الفواتير، ما يترك لأفراد الفرق متسعاً كافياً من الوقت الذي يمكنهم الاستفادة منه في أداء أعمال استراتيجية أخرى”.
وأوضح أنه يمكن للذكاء الاصطناعي على سبيل المثال أن يزيد من سهولة تحسين مطابقة الفواتير ووضع استراتيجية التسديد والتحصيل، مع تمكين المؤسسة في ذات الوقت من الاستجابة للتهديدات واغتنام الفرص الجديدة، وذلك عبر أتمتة تقييم المخاطر.
أما بخصوص أثر الذكاء الاصطناعي على جودة البيانات، أشار كارفاليو إلى أنه يسهم في تقليل الأخطاء ويحسن من مستويات الامتثال ويتيح مستويات أفضل من مطابقة الفواتير وتقييم المخاطر، وقال: “يخفف هذا الأمر بدوره من مصادر عدم اليقين المحتملة إذ يرى 47% من الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية أن الذكاء الاصطناعي يحسن الوظيفة الضريبية إلى حد بعيد”.
وبيّن أن الذكاء الاصطناعي يعزز من معايير جودة البيانات بشكل استباقي، وأضاف: “يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشتمل على التصحيحات اللازمة، وأن يساعد في تبسيط العمليات وتوفير الوقت، كما يتيح في نهاية المطاف لفرق المالية التركيز على الأنشطة الأخرى عالية القيمة، ويحسن الرضا الوظيفي، ويحقق المزيد من النتائج للمؤسسات”.
قال كارفاليو: “يوفر الذكاء الاصطناعي فرصاً متميزة للرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية، إذ يقدم معلومات ورؤى آنية تساعد في التنبؤات، وتخطيط الطلب، كما يتمتع بالقدرة على توليد خطط مالية مخصصة. ويمكن للرؤساء التنفيذيين بفضل البيانات المعززة بالذكاء الاصطناعي اتخاذ قرارات أفضل، وتوجيه المؤسسات لأن تكون استباقية أكثر في توجهها، الأمر الذي ظهر جلياً في آراء الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية الذين رأى 61% منهم أن الذكاء الاصطناعي عنصر حيوي لإدارة حالة عدم اليقين”.
وأضاف كارفاليو أنه إلى جانب الامتثال يتيح الذكاء الاصطناعي للرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية الاستفادة من البيانات التشغيلية لتقديم إرشادات أشمل في مجال الأعمال، وقال: “يمكن أن يشمل هذا الأمر مساعدة أقسام المبيعات والتسويق على تنفيذ أنشطة هادفة مولدة للدخل، أو إتاحة المجال لإجراء المزيد من الأبحاث والتطوير والابتكار”.
وتابع: “يعمل الذكاء الاصطناعي بشكل عام على تمكين الرؤساء الماليين للشؤون المالية على تخطي الأدوار التقليدية وأن يصبحوا شركاء استراتيجيين، الأمر الذي يعزز الابتكار في جميع أرجاء المؤسسات. كما يضمن هذا النهج حصول جميع الإدارات على بيانات دقيقة تتيح لها تبسيط أعمالها وضمان قدرتها على مواكبة المتطلبات المستقبلية”.
وأكد كارفاليو قائلاً: “على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي، فإنه يجب علينا أن نأخذ بالحسبان مسائل خصوصية البيانات والأمن والتحيزات المحتملة في مخرجات الذكاء الاصطناعي وكذلك ’الهلوسات‘ التي يتم فيها وبشكل خاطئ اعتبار استنتاجات الذكاء الاصطناعي على أنها حقائق مثبتة”.
وأضاف: “لذلك، فإن العمل مع شريك مسؤول يتمتع بالخبرة ويتفهم أهمية الممارسات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي هو أمر على قد كبير من الأهمية، إذ يستطيع مثل هؤلاء الشركاء المساعدة في وضع معايير أمن إلكتروني وخصوصية متينة والتي تعتبر من المتطلبات الأساسية والحاسمة للاستخدام الجيد للتكنولوجيا”.
وبيّن كارفاليو أن أدوات الذكاء الاصطناعي المدمجة في الأنظمة الحالية قادرة على مساعدة قادة الشؤون المالية على الاستفادة وبسهولة أكبر من القيمة التي توفرها التكنولوجيا، وقال: “يمكن للارتباط الوثيق بين الذكاء الاصطناعي والعمليات التجارية ضمان دقة التنبؤات والتوصيات المعززة بالذكاء الاصطناعي مع مرور الوقت”.
واختتم كارفاليو: “إن الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف ليس بديلاً عن الخدمات المالية بل معزز لها، إذ يوفر الوقت اللازم لأداء المهام المعقدة، ويولد أفكاراً قيّمة تساعد على اتخاذ قرارات ذكية. كما يمكن للذكاء الاصطناعي في حال استخدامه بشكل صحيح أن يفتح الباب أمام فرص جديدة لجميع إدارات المؤسسات حتى في الأوقات الصعبة”.