الصحة العالمية : السعودية تشهد “حراكاً كبيراً” في توطين اللقاحات
الحراك السعودي نحو توطين اللقاحات عبر إنشاء المختبر البيطري الإقليمي المرجعي لتشخيص الأمراض في الرياض “قفزة كبيرة”، بهذه الكلمات وصفت الدكتورة حنان بلخي، مديرة منظمة الصحة العالمية في منطقة الشرق الأوسط خطوة السعودية نحو إنشاء المختبر الذي يوحد الجهود المتعلقة بصحة الإنسان، والحيوان، والسلامة البيئية، وفقًا لمفهوم الصحة الواحدة.
وأشارت في حديثها إلى ضرورة مواجهة التحديات المتنوعة التي تواجهها المنطقة مثل تفشي الأمراض الحيوانية المتكررة، والمشكلات المتعلقة بسلامة الأغذية، والتلوث البيئي الناتج عن تربية المواشي.
وتقول مديرة منظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط إن تعزيز رصد الأمراض ومكافحتها، إلى جانب تطوير اللقاحات المحلية، يوفر الوقاية من مصدر الأمراض الحيوانية، فضلاً عن الارتقاء بسلامة الأغذية، كما هو الحال لضمان صحة أفضل للماشية وبالتالي تقليل خطر انتقال الأمراض الحيوانية إلى البشر، ما يحسن الصحة العامة، ويزيد متوسط العمر بشكل عام.
كما توضح بأن المختبر الذي أعلنت تفاصيله وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية يسهم بشكل كبير في البحوث العالمية حول الأمراض الحيوانية وسبل الوقاية منها، وذلك عبر المشاركة في بحوث تسلسل الحمض النووي وأبحاث مسببات الأمراض، وتطوير لقاحات متخصصة، وتبادل البيانات القيمة مع الأوساط العلمية العالمية.
3 أعوام
من جهته، كشف الدكتور علي الشيخي، الوكيل المساعد للثروة الحيوانية والسمكية في وزارة البيئة والمياه والزراعة عن أن عمليات تصميم وإنشاء المختبر البيطري الإقليمي المرجعي لتشخيص الأمراض في الرياض، سينتهي تنفيذه في الأعوام الـ 3 المقبلة، ويبدأ أعماله في السنة الرابعة.
قاعدة بيانات وراثية
ويقول الدكتور علي الشيخي، الوكيل المساعد للثروة الحيوانية والسمكية في وزارة البيئة والمياه والزراعة: المختبر يرصد الأمراض الحيوانية ويكافح انتشارها عبر تعزيز القدرات الوطنية للكشف عن المسببات المرضية، باستخدام أحدث الطرق العملية والتقنية، وبناء قاعدة بيانات وراثية للمسببات المرضية وتحديد تسلسل قواعد حمضها النووي، زيادة على ذلك، سيجري المختبر البحوث والدراسات التطبيقية الدقيقة لتطوير لقاحات جديدة.
ويتابع في سياق حديثه بأن المختبر يتمتع بالطرق القياسية في الكشف عن الأمراض الحيوانية، ويطور طرق الكشف عنها وفقًا لمعايير المنظمة الدولية للأمراض الحيوانية، ما يطور صحة الحيوان ويسيطر على الأمراض الحيوانية، والأمراض المشتركة بين الحيوان، والإنسان.
مرجع إقليمي
وأكد الدكتور علي الشيخي وكيل وزارة البيئة أن إنشاء المختبر البيطري المرجعي الإقليمي يعزز سعي المملكة المستمر للمحافظة على الصحة الحيوانية بتقديم خدمات مخبرية دقيقة ومتخصصة في مجالات الأمراض، والمساهمة في تطوير الخرائط الوبائية وتحديد مسبباتها، ويطور اللقاحات، قائلاً إن المختبر ذاته من شأنه أن يصبح مرجعًا إقليميًا يخدم منطقة الشرق الأوسط في مجال الصحة الحيوانية.
وكانت وزارة البيئة والمياه والزراعة وقعت عقد إنشاء مختبر بيطري مرجعي إقليمي، بقيمة 175 مليون ريال مع إحدى الشركات الوطنية المتخصصة، بهدف الرصد والسيطرة على انتشار الأمراض الحيوانية، وهو الأمر الذي ينعكس إيجاباً على صحة المواطن، والمقيم، كما يتسق مع حراك رؤية 2030 الصحي في رفع معدلات عمر الإنسان إلى 80 عاماً.
وبهذا كله، تعزز السعودية مفهوم الصحة العامة لدى المواطنين والمقيمين، عبر إنشاء المختبر الإقليمي وتحقيق الريادة في قطاع الرعاية الصحية، والوقاية من الأمراض، وتحسين الخدمات والبرامج المقدمة للحفاظ على صحة الفرد والمجتمع، وفقا لمستهدفات رؤية السعودية 2030، ومكافحة الأوبئة والأمراض المعدية بالطب الوقائي.
75 % أمراض معدية ناشئة
من جهته، قال الدكتور عبد الله القيسي، أستاذ مساعد بعلم الفيروسات واللقاحات بجامعة جازان وباحث في علم الأوبئة، إن المختبر سيكون ذا أثر بالغ على الصحة العامة والأمن الصحي والاقتصاد كذلك “بلا شك”، إذ يكافح المخاطر الصحية الناتجة عن الأمراض الحيوانية المتوطنة والناشئة، وحماية الإنسان والحيوان والبيئة من تلك المخاطر، إذ إن ما يقارب 75% من الأمراض المعدية الناشئة والمستجدة التي تصيب الإنسان مصدرها حيواني أمراض مشتركة.
وتابع في حديثه أن خطرها أصبح متزايداً في السنوات الأخيرة على نحو ظاهر، إذ من المتوقع ظهور أمراض حيوانية جديدة مستقبلاً قد تشكل تهديداً كبيراً على الصحة العامة الإقليمية والعالمية، وبالتالي فإن توافر مختبر “عالمي متطور” يساهم في تقصي انتشار الأمراض وتشخيصها وتطوير لقاحات ضدها سيسهم بلا شك في الحد من هذه الأمراض والسيطرة عليها واستئصال بعضها على حد قوله.
حاجة ماسة
وأشار القيسي إلى أن المختبر جاء في وقت بحاجة ماسة لمثل هذه المختبرات المتخصصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تغيب في معظم دول المنطقة، لاسيما مع تزايد الأمراض الحيوانية، خصوصا المشتركة التي تنتقل بين الحيوان والإنسان.
وتابع أن أحد أكبر التحديات في الأمراض الحيوانية يتلخص بظهورها في مناطق معينة، وتشكل عبئاً صحياً واقتصادياً كبيراً على تلك الدول، خصوصا في غياب الإمكانيات المتطورة في تشخيص مثل هذه الأمراض مبكراً والحد من خطورتها، لافتا إلى أن المختبر البيطري الوطني الذي وقعت عليه وزارة البيئة السعودية، يكتشف هذه الأمراض ويشخصها مبكراً.
وفي التفاصيل، يوضح الدكتور القيسي بأن البيانات التي ستُجْمَع عبر المختبر البيطري تعتبر بالغة الأهمية ليس في رصد الأمراض والسيطرة عليها، بل أيضًا في تطوير لقاحات محلية ملائمة للأنواع المنتشرة محليًا، وهو تحدٍ كبير يواجه العديد من الدول.
ندرة الباحثين
وأشار الدكتور القيسي إلى ندرة الباحثين المتخصصين في مجال الأمراض الحيوانية واللقاحات، مؤكدًا أن المختبر سيؤدي دوراً كبيراً في تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلهم في هذا المجال المهم، ما يعزز الأمن الصحي الوطني، ويحافظ على الثروة الحيوانية.
وأضاف أن المختبر سيكون “إضافة جوهرية” لمنظومة الأمن الصحية المخاطر الصحية الحالية والمستقبلية التي تهدد الإنسان والحيوان على حد سواء، حسب حديثه، كما يعزز قدرات السعودية في مواجهة الجوائح والأوبئة.
التغير المناخي سبب رئيس!
إلى ذلك، قال الدكتور عمار الخميسي، باحث متخصص في مجال الأوبئة والأمراض لـ “العربية.نت”، إن التغير المناخي أحدث طفرات كبيرة في البكتيريا والفطريات، ما جعلها مقاومة للعقاقير المعروفة والمستخدمة حاليًا، وأضاف أن هذا الأمر يجعل من الضروري توافر مختبر متخصص لدراسة السلالات الجديدة من البكتيريا والفطريات، وفهم الطفرات التي تطرأ عليها، بهدف تطوير جيل جديد من العقاقير القادرة على مواجهتها.
وأشار الخميسي إلى أنه بعد عام 2020، بات العالم يعيش مرحلة جديدة في مواجهة الفيروسات المتحورة، مثل فيروس كورونا وفيروسات إنفلونزا الطيور، ولهذا السبب، أصبح من الضروري إقامة مختبر متطور يركز على دراسة طبيعة هذه الفيروسات وطفراتها وتأثيرها في الحيوانات وكيفية انتقالها إلى البشر. وأكد أن هذا المختبر سيعمل أيضًا على تطوير طرق تشخيص الأمراض المرتبطة بهذه الفيروسات، وإنتاج الأدوية اللازمة لها، بالإضافة إلى تطوير لقاحات جديدة تستطيع التصدي للمتحورات.
تعزيز الأمن الصحي
وأوضح أن دور هذا المختبر سيكون كبيرًا في تعزيز الأمن الصحي، مشيرًا إلى أن الطيور والحيوانات، وخاصة الأبقار، تشكل وعاءً كبيرًا لخلط الفيروسات، ما قد يؤدي إلى ظهور فيروسات متحورة جديدة، خصوصًا فيروسات الإنفلونزا. لذلك، يصبح أخذ عينات دورية من هذه الطيور والحيوانات أمرًا بالغ الأهمية لمعرفة السلالات المتحورة الجديدة التي قد تنتقل إلى البشر، وتسبب أمراضًا مختلفة أو ربما جائحة جديدة، قد تكون أخطر من جائحة كوفيد-19.
وشدد الخميسي على ضرورة بناء المختبر الجديد لشبكة علاقات قوية مع المختبرات والجامعات العالمية، إذ إن تبادل المعلومات والأبحاث بين المختبرات مفتاح لتطوير هذه الدراسات ورفع كفاءة العاملين في المختبر، بالإضافة إلى متابعة أحدث البحوث المتعلقة بالفيروسات والأمراض الأخرى.
التقنية الحيوية
وفي مطلع العام الجاري أطلقت السعودية بدوافع الرغبة في التكامل في مفهوم الرعاية الصحية، الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية، من أجل تحسين الصحة الوطنية، ورفع مستوى جودة الحياة، فضلاً عن حماية البيئة، وتحقيق الأمن الغذائي والمائي.
إذ تركز الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية على 4 توجهات: اللقاحات لتوطين صناعتها وتصديرها وقيادة الابتكار فيها، والتصنيع الحيوي والتوطين لزيادة استهلاك الأدوية الحيوية وتوطينها وتصديرها، وكذلك الجينوم للريادة في أبحاث علم الجينوم والعلاج الجيني، وأخيراً تحسين زراعة النباتات لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وقيادة الابتكار في مجال البذور المحسّنة، وهذا كله يتسق مع الخطوة التي اتخذتها وزارة البيئة والمياه والزراعة في إنشاء المختبر.