تكنولوجيا

جيل الرقائق الجديد يقود موجة الذكاء الاصطناعي بسرعة البرق

سيتذكر بعض منكم الأيام التي كان فيها تحميل فيلم يعني الانتظار لأكثر من ساعة. واليوم، تستطيع أحدث الرقائق نقل بيانات تعادل أكثر من 160 فيلما عالي الدقة بالكامل في أقل من ثانية واحدة.
أصبحت صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي تدرك أهمية الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي، أو إتش بي إم، وهي التكنولوجيا التي ترتكز عليها عمليات نقل البيانات بسرعة البرق. كان المحللون سابقا يرون أنه من غير المرجح أن تصبح مجدية تجاريا على الإطلاق عندما تم إطلاقها لأول مرة في 2013.

لكن شركتا تصميم الرقائق الأمريكيتان إنفيديا وإيه إم دي تبثان حياة جديدة في التكنولوجيا المتقدمة التي أصبحت الآن مكونا أساسيا في جميع رقائق الذكاء الاصطناعي. أما القضية الأكثر إلحاحا بالنسبة إلى صانعي رقائق الذكاء الاصطناعي فهي الطلب المتنامي باستمرار على مزيد من قوة المعالجة وعرض النطاق الترددي، إذ تسارع الشركات لتوسيع مراكز البيانات وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل النماذج اللغوية الكبيرة.

في الوقت نفسه، تتجاوز تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي المثقلة بالبيانات حدود الأداء التي يمكن أن تقدمها رقائق الذاكرة التقليدية. إذ تتطلب سرعات معالجة البيانات ومعدلات النقل الأعلى عددا أكبر من الشرائح التي تشغل مساحة مادية أكبر وتستهلك المزيد من الطاقة.

حتى الآن، كانت البنية التقليدية تتم بوضع الرقائق جنبا إلى جنب على سطح مستو، ثم يتم توصيلها بعد ذلك بالأسلاك والصمامات. والمزيد من الرقائق يعني اتصالا أبطأ من خلالها واستهلاكا أعلى للطاقة.

قلبت الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي عقودا من التقاليد التي سارت عليها صناعة الرقائق من خلال تكديس طبقات متعددة من الرقائق فوق بعضها بعض واستخدام مكونات متطورة، من بينها لوحة دوائر صغيرة أرق من الورق، لتعبئة الرقائق بالقرب من بعضها بعضا في شكل ثلاثي الأبعاد.

ويعد لهذا التحسين أهمية بالغة لصانعي رقائق الذكاء الاصطناعي، لأن القرب بين الرقائق يستهلك طاقة أقل – تستهلك الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي طاقة أقل بنحو ثلاثة أرباع من الهياكل التقليدية. كما أظهرت الأبحاث أن الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي توفر أيضا نطاقا تردديا أعلى خمس مرات وتشغل مساحة أقل – أي أقل من نصف حجم المعروض حاليا.

في حين أن التكنولوجيا متقدمة، فإنها ليست جديدة. بدأت شركة إيه إم دي وشركة إس كيه هاينيكس الكورية الجنوبية لصناعة الرقائق العمل على الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي منذ 15 عاما، عندما كانت الرقائق عالية الأداء تستخدم في الغالب في قطاع الألعاب الإلكترونية.

وكان المنتقدون في ذلك الوقت متشككين في أن تعزيز الأداء يستحق التكاليف الإضافية. تستخدم الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي المزيد من المكونات، وكثير منها معقد ويصعب تصنيعه، مقارنة بالرقائق التقليدية. بحلول 2015، بعد عامين على الإطلاق، توقع المحللون أن تصبح الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي مقتصرة على مجال ضيق. إذ بدت تكاليفها مرتفعة للغاية بحيث لا يمكن استخدامها في الأسواق العامة.

هي لا تزال باهظة الثمن حتى اليوم، حيث تكلف ما لا يقل عن خمسة أضعاف رقائق الذاكرة العادية. لكن الفرق الآن هو أن رقائق الذكاء الاصطناعي التي تدخل فيها تباع بسعر باهظ أيضا. كما لدى عمالقة التكنولوجيا الآن ميزانية أكبر بكثير ينفقونها على الرقائق المتقدمة مما كان ينفقه مستخدمو الألعاب الإلكترونية قبل عقد من الزمن.

في الوقت الحالي، هناك شركة واحدة فقط، وهي إس كيه هاينيكس، قادرة على إنتاج الجيل الثالث من منتجات الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي بكميات كبيرة، تلك المستخدمة في أحدث رقائق الذكاء الاصطناعي. تمتلك الشركة 50 في المائة من السوق العالمية، في حين تسيطر شركتان منافستان على بقية السوق، وفقا لبيانات من شركة تريند فورس الاستشارية.

تنتج شركتا سامسونج وميكرون الجيل الأقدم من الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي ومن المتوقع أن تطلقا أحدث إصداراتهما في الأشهر المقبلة. أيضا الشركتان قادرتان على تحقيق مكاسب غير متوقعة من المنتج ذي الهامش المرتفع إلى جانب الطلب المتزايد بسرعة. في يونيو، توقعت “تريند فورس” أن يرتفع الطلب العالمي على الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي 60 في المائة في العام الحالي.

إن حرب رقائق الذكاء الاصطناعي على وشك تعزيز هذا النمو بشكل أكبر حتى في العام المقبل. أطلقت شركة إيه إم دي للتو منتجا جديدا على أمل أن تتفوق على إنفيديا. إن النقص العالمي المقترن بالطلب القوي على بديل بأسعار معقولة لعروض إنفيديا يعني فرصة مربحة للمنافسين القادرين على تقديم رقائق ذات مواصفات مشابهة. لكن زعزعة هيمنة إنفيديا هي حكاية أخرى، إذ لا تكمن أهميتها في الرقاقة المادية نفسها فحسب، بل في منظومتها البيئية للبرامج، التي تتضمن أدوات المطورين ونماذج البرمجة المتداولة. ومحاكاة ذلك ستستغرق أعواما.

هذا هو السبب في أن الأجهزة – وعدد وحدات الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي المرصوصة في كل شريحة جديدة – ستصبح الآن أكثر أهمية للمتنافسين الذين يرغبون في التغلب على إنفيديا. ويعد تعزيز سعة الذاكرة من خلال استخدام الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي المطورة هي إحدى الطرق القليلة لاكتساب القدرة التنافسية على المدى القصير. مثلا، يستخدم أحدث مسرع إم أي 300 من شركة إيه إم دي ثماني وحدات ذاكرة ذات النطاق الترددي العالي، أي أكثر من الخمس أو الست وحدات المستخدمة في منتجات إنفيديا.

لقد كانت الرقائق تاريخيا صناعة دورية معرضة للطفرات والانهيارات الكبيرة. وفي مسارها الحالي، فإن الزيادة الدائمة في الطلب على المنتجات الجديدة من شأنها أن تجعل فترات الركود في المستقبل أقل اضطرابا مما كانت عليه في الماضي.

علق على الخبر بحسابك بالفيسبوك
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى